اشواق مصلح
إن الروابط التاريخية بين بلادنا العربية لتضرب بجذورها إلى عصور ما قبل التاريخ، فليس مصادفة أن تأتي مقابر بات الموجودة بمحافظة الظاهرة في سلطنة عمان (مقابر النحلة) مشابهة من حيث الشكل وطريقة البناء لمقابر منطقة عين حضرة في شرق سيناء (النواميس).
تلعب الاكتشافات الأثرية المتتالية دوراً هاماً لمعرفة الجذور الحضارية للأوطان، ومدى التأثير والتأثر لكل حضارة على الأخرى، كما تكشف كيف تجاوز الإنسان الأول الحدود الجغرافية وانتقل ما بين المناطق المختلفة بالرغم من بدائية الحياة التي عاشها. ونأخذ على هذا دليلاً من خلال المقارنة ما بين الموقعين:
أولاً: مقابر عين حضرة (شكل رقم 1)
تقع في وادي عين حضرة في جنوب شبه جزيرة سيناء، ترجع للألف الرابع قبل الميلاد (العصر البرونزي)، بناها الإنسان الأول على ربوة عالية لتكون بعيده عن مساقط السيول وكذلك ربما لوجود أودية ممتلئة بماء السيل أو الأمطار. مبنية من كتل حجرية مربعة من الحجر الرملي، أطلق عليها عالم المصريات الإنجليزي “بيتري” مقابر النحلة حيث إنها مقسمة من الداخل مثل خلية النحل. يطلق عليها بدو سيناء اسم (نواميس) حيث يحتموا بها من قرص الباعوض (النواميس). يتضح من بناءها العمل المشترك ما بين الأفراد آنذاك لإتمام بنائها، نظراً لما تمتاز به من الدقة الدقة في وضع كتل الحجارة الواحدة تلو الأخرى، وثقل وزن الكتل الحجرية مما يتطلب التعاون من أجل حملها، بالإضافة إلى وجود عدد من هذه النواميس متجاورة مما يدل على وجود تجمع سكني. تمتاز بوجود سقف به حجارة متحركة لتسمح بدخول الضوء والتهوية، كما أن لها باب له عتب حتى يمكن غلقها.
كان دفن المتوفي يتم في المنتصف في الوضع الجنيني ( وضع الجنين في بطن الأم) شكل رقم 1 ثم بعد فترة يتم تحريك رفاته إلى جوانب جدران النواميس لتكون هناك مساحة لغيرة من أفراد الأسرة في حالة وفاتهم.
اللقى الأثرية: أهم اللقى الأثرية التي تم العثور عليها هناك الأساور والعقود من الأصداف والخرزات وخاصة حبات من العقيق الأحمر، رؤوس سهام عريضة، دبابيس من النحاس تحتوي على نسبة من القصدير ومجموعة من الأسلاك الملتوية النحاسية تتطابق مع تلك التي عثر عليها في فترة ما قبل الأسرات في مصر وكانت معظم اللقي الأثرية داخل الناموس الأكبر حجماً
ثانياً: مقابر بات
تقع في محافظة الظاهرة بسلطنة عمان، ترجع للألف الثالث قبل الميلاد، مبنية على ربوة عالية ربما كي تحمي الإنسان الول من الأمطار والسيول. عبارة عن بناء دائري من ألواح الحجر الرملي صلبة وتتألف من جدارين خارجيين وآخر داخلي مقسم إلى عدة غرف لدفن الموتى وتشبه من الداخل خلية النحل؛ لذا أطلق عليها مقابر النحلة، تم إدراجها على قائمة التراث العالمي بمنظمة اليونسكو عام 1988 ، فقد كان مدفن خلية النحل يضم ما بين مدفنين إلى خمسة مدافن.
تعبر هذه المقابر من خلال مكونتها وطريقة بناءها وارتباطها بالعديد من العوامل المجاورة لها تعبر عن التوطين والزراعة وربما أيضاً كيفية إدارة مصادر المياه كما إنها تعبر عن بداية ظهور ظاهرة الواحات الخضراء للتي تتخلل الصحاري حيث شكل النخيل الموجود بها بيئة محببة للإنسان والحيوان
طريقة بناء هذه المقابر عن طريق حجارة كبيرة مصقولة والحوائط قائمة على شكل دائري ومن المؤكد من خلال هذه الطريقة في البناء هو الاتحاد ما بين عدد من الأفراد من أجل بناءها ويتم دفن الموتى في الوضع الجنيني.
فهل يدرك المواطن العربي في هذه الأيام مدى عمق هذه الروابط التاريخية وهل يسعى جاهدة لتدعيم وتعميق هذه الروابط لنصبح بحق قوة عظمى كما يستحق لها أن تكون.

شكل رقم 1 مقابر عين حضرة – مصر
شكل رقم 2 مقابر بان- سلطنة عمان
شكل رقم 3 إنسان العصر الحجري الحديث مدفون بالوضع الجنيني
مدخل مقبرة من عين حضرة
مدخل مقبرة من بات
This site is protected by wp-copyrightpro.com