Latest News
من المعلم تبدأ الحكاية وتنمو الحضارة
05 أكتوبر 2025
0
6930

سلطان سعيد 

يوم المعلم هو لحظة تأمل في جوهر البناء الإنساني وفي أصل التحول الحضاري الذي تصنعه العقول المضيئة بالعطاء والوعي ليس يوما للاحتفال بقدر ما هو لحظة وعي وإدراك تتجلى فيها قيمة الإنسان الذي يزرع في العقول بذور النهضة ويصوغ ملامح المستقبل من خلال الكلمة والفكرة والإيمان بالرسالة

إنه يوم لا يحتفي بشخص بقدر ما يحتفي برسالة تمتد جذورها في كل مجتمع يطمح إلى النهوض والرقي والازدهار فالمعلم ليس ناقلا للمعرفة فحسب بل هو صانع الوعي ومهندس الفكر وموجه القيم الذي يشكل الملامح الأولى لشخصية الإنسان منذ نعومة أظفاره

إن المعلم هو الأصل في كل تحوّل حضاري وهو أول من يواجه ظلمة الجهل لا بسلاح القوة بل بنور المعرفة يفتح العقول على التفكير الحر ويوقظ في النفوس شغف الاكتشاف ويصنع من كل درس نواة لحياة أوسع وأعمق

في هذا اليوم يدرك المجتمع أن التعليم ليس وظيفة بل هو فعل وجود وأن المعلم ليس مهنة بل هو ضمير الأمة الذي يحرس وعيها ويصون قيمها ويحمل بين يديه مفاتيح الزمن القادم فمن بين دفاتر التلاميذ تنشأ الحضارات ومن حروف الدرس تتشكل المعاني التي ترفع الإنسان فوق حدود ذاته

يوم المعلم هو تأمل في أولئك الذين اختاروا أن يعيشوا في الظل ليمنحوا الآخرين النور وفي صمتهم المستمر يكتبون التاريخ الحقيقي للأمم لأنهم لا يورثون مادة بل يورثون طريقة تفكير ولا يلقنون الأجوبة بل يوقظون الأسئلة التي تبني الإنسان العارف بذاته والعالم من حوله
المعلم هو بداية كل فكرة خيّرة وكل مشروع وطني وكل وعي إنساني وهو المرسى الذي تعود إليه المجتمعات كلما اضطربت الموازين أو غاب الاتجاه لأنه يحمل الثبات في زمن التغير واليقين في زمن الشك

في هذا اليوم يتوقف الزمن احتراما لذلك الذي يقف كل صباح أمام عقول متطلعة ليغرس فيها بذور الحكمة والفضيلة وليحول المعلومة الجامدة إلى معنى ينبض بالحياة فالمعلم هو من يبني العقول لتبني الأوطان وهو من يمنح الآخرين القدرة على الحلم والسعي والإنجاز

يوم المعلم هو اعتراف عالمي بأن الحضارات لا تقوم على الحجر بل على الفكر ولا تزدهر بالثروة بل بالمعرفة ولا تصان بالمظاهر بل بالضمير الذي يزرعه المعلم في الأجيال جيلاً بعد جيل فالمعلم يعيش تفاصيل المستقبل قبل أن يراه لأنه يزرع اليوم ما سيُثمر غدا وهو الذي يحمل في صمته مسؤولية التغيير وفي عطائه المستمر رسالة الخلود في ذاكرة الأمم

في هذا اليوم تبقى الكلمة الأصدق هي الشكر والتقدير الذي يعجز عن الإيفاء بحقه لأن كل إنجاز وابتكار ونجاح في أي ميدان هو امتداد لجهد معلم آمن بأن رسالته لا تنتهي عند حدود الفصل بل تمتد إلى أعماق الحياة ويحب ان لا يُكرم المعلم بالكلمات وحدها بل بالاعتراف بأن رسالته هي جوهر الوجود الإنساني وأنه صانع الطريق الذي تسير عليه الأجيال نحو الغد


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2025 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com