(نتمناها)! | الكاتب أحمد الهلالي
09 سبتمبر 2016
0
112761

في هذا الفصل من مذكراتي سأتحدث عن وصولي إلى مطار الملك عبدالعزيز بجدة عام 2016، حيث استقبلنا مسؤولو المطار بمحبة لم أجدها في كل مطارات العالم، موظفون واقفون بعبوات ماء زمزم، وتعليمات بلغتنا ترشدنا إلى كل ما علينا القيام به حتى نعود إلى مقاعدنا في الطائرة بعد الحج فنجد (هدية الحج) المميزة، وحين دخلنا بهو المطار، كانت كل الخدمات مهيأة ومعدة بطريقة سلسة، وكأننا وفد دبلوماسي من فرط الحفاوة وتذليل الصعوبات، أدب العاملين في المطار معنا وابتساماتهم المشرقة جعلتنا نشعر بدفء الشعيرة، حتى بعض الحجاج المرافقين المتذمرين من تعب الرحلة، أو من يعانون من أمراض مرهقة، يحتوونهم بطرائق عابقة بالدفء والهدوء، يعكس العمق الحضاري المضياف للسعودية.

استقبلنا المطوفون، ولم يبق إلا العناق لفرط حرارة الاستقبال، وتوزيع الحلوى والماء البارد، وتوفير (كراسي متحركة) لكبار السن والمتعبين، ثم اعتذارهم عن عدم جهوزية (القطار)، فأركبونا باصات مكيفة نظيفة معطرة، وعلى كل مقعد وجدنا تفاصيل رحلتنا وتعليمات خاصة تغنينا عن السؤال، ولن أتحدث عن قائد الباص المبتسم الهادئ، ومرافقه اللبيب لكل إشارة منا، فلم نشعر بالطريق وهو يشرح بلغتنا كل المعالم على طريقنا إلى مكة، وحديثه عن المشاريع التي تقوم بها الدولة السعودية في خدمة الحرمين الشريفين وزوارهما، حتى أشار بيده إلى برج الساعة الذي تراءى لنا من مشارف مكة، فجعلنا نصوره من ذلك البعد حتى وصلنا إلى مقر إقامتنا.

نظافة المساكن المعدة لنا والخدمات التي يوفرها مضيفونا كانت مبهرة، ما دفعني إلى سؤال صديقي: هل معنا شخصية دبلوماسية؟ فالحجاج السابقون لم يذكروا كل هذا الجمال والدفء الذي نعيشه الآن، فأجاب: لا، لكن (التحول السعودي الجديد)، يطمح أن يجعل الحج متعة وراحة للحاج كالسياحة، وأن يطبق مفهوم الضيافة الحقيقية.

من سكننا نزلت إلى شوارع مكة أستجلي الموقف، ورغم اكتظاظ الشوارع بالحجاج، شعرت أنني الحاج الوحيد الذي يرتدي إحراما، فكل الناس بشوشون، حتى سائقو سيارات الأجرة من السعوديين، يعاملونني بطريقة راقية مضيافة، ويدعون لي بالتوفيق والحفظ، ولا أشعر بطمعهم في مالي، فهم لا يتشرطون مبالغ باهظة رغم الازدحامات التي يعانون منها أحيانا.

حين دخلت وأسرتي بيت الله طائفين، أذهلني التنظيم، وبشاشة القائمين على شؤون الحرم (مدنيين وعسكريين/‏ رجالا ونساء)، واستجاباتهم لكل استفساراتنا بحرص ومحبة، إلى درجة أن بعضهم يترك موقعه ويسير معنا مسافة ليرشدنا إلى أمر سألناه عنه، حتى حين أضعنا موقف الباص، لم يبارحنا موظف شؤون الحرم حتى أوصلنا إليه، وقد فاضت عيناي بالدمع حين رأيت شرطيا يحمل حاجا مسنا بين ذراعيه بعد سقوطه في المطاف، فلم ينتظر المسعفين، بل حمله إلى مكان فسيح، ولم يكد يضعه برفق على الأرض، حتى وصل المسعفون، فانصرفنا مهللين شاكرين.

إني أستغرب من حجاجنا العائدين العام الماضي، وكثرة تبرمهم وشكواهم من معاملة هؤلاء الناس، ولولا أني أعرف أولئك الحجاج لظننت أنهم حجوا إلى مكان غير هذا الذي أرى الناس فيه ملائكة باسمين، لولا أنهم على هيئتنا البشرية، فطوبى لكم يا خدام بيت الله الحرام، وهذه البشاشة التي لم تغب عنا من لحظة وصولنا حتى مغادرتنا وكأنها بروتوكولات مفروضة، لا يجعلني أشك في غير ذلك إلا عموميتها على العاملين والمواطنين الذين صادفناهم.

أما آخر فصول الدهشة، فيتجلى حين وزع علينا المطوفون برامج سياحية اختيارية لمدة خمسة أيام بمبالغ رمزية، أتذكر أن بعضها إلى مدن سياحية كالطائف وأبها، وبعضها إلى أماكن تاريخية كمدائن صالح وبدر وأحد وخيبر، أو زراعية كالأحساء وجازان والقصيم، وبعضها جزر سعودية في عرض البحر، وبعضها ثقافية أو تجارية، أثرتنا بالكثير عن بلاد الحرمين وما فيها من تاريخ وجغرافيا وثقافة وجمال ونهضة كبرى. (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك).

أحمد الهلالي


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com