هذيان روح عابرة…! د. وفاء ابوهادي
14 مايو 2023
11
87021

 

د. وفاء ابوهادي
مستشارة اعلامية وكاتبة
مدرب معتمد …

التقيتها وكانت في آخر لحظات تلاشيها
اقتربت منها لأسندها
لكنها ابتعدت وقالت : لا احتاج لمساندتكِ
احتاج أن اتكلم قبل الرحيل
قلتُ لها : تكلمي بما اردتي
قالت : سأحاول أن اختصر ما اريد قوله
واغمضت عيناها ونطقت تلك الروح قائلة :

لا أدري هل تجاوزت الزمن فأصبحت في زمنٍ غير زماني ؟؟!!
هل هرِمتُ مبكراً
وشاخت كل تلك الأماني الغضة التي كانت تزهرُ بين مراتع الأحلام منتشية متجددة ..

أشعر أني تجاوزت أزمنة عدة
وركضت أسابق سنون طويلة
فلم أعد أشعر بشيء
ولا يستهويني شيء !!
ولا قيمة لشيءَ عندي
أصبحت ُ لا أميز بين ليل أو نهار فكلاهما ساعات تمضي ..

والألم أصبح مجرد إحساس في عضو بجسدي أما ألم القلب والمشاعر فقد تبلدت وتجمدت وأنعدم فيها أي معنى للإحساس

وكل تلك التقلبات والتغيرات في الناس لم تعد تزعجني
فمن كان محباً مسالماً وتغير لا أشعر أن هناك شيء نقص بداخلي جراء ذلك
ومن رحل لا أحن له ولا أفتقده مجرد عدد نقص من مكان ما بهذة الحياة

ومن آتى لم يعد له ذاك البريق في فرحة لقائه …
فالغائبون علموني كيف أتشبع من ذاك الغياب لأقتنع بعدم عودتهم فلم يعد لفرحة اللقاء مكان

كل ما يبرقُ لا يُلفت انتباهي كلها أضواء تزيد من زغللة عيوني وتتعبُ رأسي الخالي من كل شيء
كنت أعشق الكتابة فيما مضى ومن خلالها أخرج كل ما بداخلي
الآن اكتشفت انني لا أملك أحرف ولا أبحث عنها
ولا أجيد التعبير عن شيء
أصبح الجمود يسُود كل شيء حتى الكلمات
والصمت اقدسه قداسة هذه الروح المتهالكة
لم أعد استسيغ سماع كلمات الاطراء والمديح ، وإن كانت تخرج من قلوب ٍمنافقة أو صادقة
فما كان غضاً بالأمل ذبل اليوم في نظري
وعندما أتأمل عيناي أجدها من زجاج تجمد فيها كل شيء
بداية من النظرة وحتى اللمعان

أصبحت اقول للرياح اقبلي إليّ
فقد أُغرقت كل السفن
ولم يعد بالبحر أي سفينة تتلاعبي بها مع الأمواج العاتية

والربيع أصبح كالخريف فكلاهما لا يعنيان لي إلا أيام تتناقص من عداد عمري
لقد تعب هذا القلب من كل شيء
أثقلته التفاصيل الصغيرة والهموم الكبيرة التي كانت تُربط كحزمةٍ من الورود لِتُهدى إليه دون الإحساس أن في إهداء الوجع للموجوع ظلم
كبير …!!

لكنني كنت أتنفس الوجع أتنفس التلاشي
استنشق الموت البطيء مع كل تهاون بوجودي
حتى تعلمت التهاون فهانت هذه الروح وهي مشرقةٌ
أُطفئت في يوم مشرق وذبلت في يوم ماطر

مشاعر مختلطة منها ماله اسم ومنها ما كان لقيط فلم يأخذ شرعية وجوده بطريقة تتيح لهذه المشاعر الإعلان عن وجود
فضاعت تفاصيل كنت أُدونها في دهاليز القلب المتعب
على جدران متهالكة
لكن حاولت أن أُرمم ذاك الجدار لأُعلق عليه صور لشخصية ملامحها مطموسة عيناها غائرتان
مسكونة بدموع مجمدة
وملامح خطتها أيدي كثيرة فرسمت ما شاءت على تلك الملامح
منها ما كان مفهوم
ومنها لم يُفهم ..!!

لقد فهمت الآن ..
لقد اتخذوا هذه الملامح تسلية
نعم تسلية باسم الوجع
ومع مرور الوقت أصبحت هذه الملامح تتلاشى
وتتلاشى
حتى اختفت !!!
ولم يعد غير هذا البرواز المليء بأتربةٍ رمادية بهتت كل أركانه
تماماً كما بهتت صاحبة تلك الملامح بداخله
فتلاشت
ودُفنت دون تابوت
وماتت بدون مأتم
واختفت قصتها بين حبر حروف مكسورة وبين كلماتٍ معتوهة
وانتهت نهايات كثيرة لتلك الروح من تأليف وإخراج من اتخذوها تسلية حتى في صنع الوجع لنهايتها…


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com