وجع الفقد | د. وفاء ابوهادي
13 نوفمبر 2018
35
220275

 

ليس باستطاعتنا تقييم مساحة الوجع لدى أي شخص فقد عزيز سواء قريب أو صديق أو حبيب ، فذاك الشعور مؤلم ولا يُوضع في كفة ميزان ليوزن معدله ، فهو من المشاعر المحال أن توصف أو تُحسب فيها مسافات الألم .

وشعرت بهذه المشاعر في موقف مر بي عندما سمعت إحدى السيدات وهي تقول مخاطبة الطرف الآخر عبر الهاتف: لي أب يدافع عني ويأخذ حقي . 

كم كان لجملتها وقعٌ في قلبي تسمرت في مكاني لأحاول ان أسمع مكالمتها التي كانت تطلبها ، فضول كبير سكن مع مشاعري وانا أتساءل يا ترى من ستحدث في حالتها هذه؟

واذا بي اسمعها تخرج كل وجعها في كلمة (أبي)  ، كلمه واحدة حملت معاني الأمان في الكون كله ، لم أتمكن من سماع مكالمتها كلها فلقد كنت في عالم آخر من البحث عن الآمان المفقود لدي !

وانتشلتني من بحثي بوصفها لمكان تواجدها وأقفلت الخط !.

نظرت إليها واقتربت منها فسلمت عليها واستأذنت بالجلوس جانبها ،  

وبعد دقيقتين بادرتها بسؤال لأصل لشيءٌ في نفسي ، فقلت لها : كل المنتجات متشابهة في هذا (المول) أليس كذلك ؟ 

اجابتني : لم يسعفني الوقت لشراء شيء فقد تكدر يومي 

داهمتها بسؤالي الذي كان يزلزله الفضول : خير ان شاء الله .. لا تغضبي كل شي وله حل 

نظرت إليّ وقالت : الحمدلله لدي أب يسندني ولا يقبل بدمعة من عيني 

ولن أُهان طالما رأسه يشم الهواء اطال الله بعمره 

كانت تتحدث عن والدها وألم بداخلي لا تستشعره إلا من تفقد هذا الاحساس ، واسترسلت في حديثها ولَم أكن أعي شي مما قالت سوى إحساسي بفقد كبير لأمان وسند اتعطش لوجوده ..

و أفقت من شرودي على صوت رجل كاد قلبه يخرج من بين جنبيه 

طمئنيني ، هل أنتِ بخير يا حبيبة أبيكِ

لا تهتمي لشيء في الدنيا وانا موجود 

يالله .. كم كان الموقف كبير على حروف توصفه او ألسنة تعبر عنه وهو يأخذها بين ذراعيه ويربت عليها ويغادر برفقتها ، واستشعرتها كطفلة ذات الخمس سنوات لا سيدة يتضح انها في نهاية العقد الثالث 

لقد احتواها الآمان فتجاوز السنين وتحدى الألم، وسكنت بداخلها الطمأنينة

شعرت بشعور لا يوصف من الفقد والألم لفقدي هذه النعمة

فوجود الأب قمة من الحياة السعيدة حتى في الحزن تجده من يسند حمل الوجع لقلبه ليحمي انكسار ابنائه 

وخاصة الفتاة كم تكون قوية بوجود أبيها فشعورها بالعزوة لا يماثله شعور سواء كانت بين إخوانها او متزوجة 

حتى علاقتها بأخوانها تكون ذات خصوصية من التدليل والإحساس بالراحة والمكانة الكبيرة لها وما ان يرحل حتى تكون يتيمة مكسورة بينهم وإن كانت متزوجة أصبحت ضيفة غريبة إلا من رحم الله ، وهم قلة من يعوضون أخواتهم بعد رحيل الأب 

هنيئاً لكل انثى سواء كانت صغيرة أو كبيرة بوجود صمام الأمان بحياتها والسند الذي تسند عليه وقت تعبها وهو والدها  

وان كان كبيراً بالسن فسيظل شمعة تنير لها عتمة حياتها وعزوة تسندها وقت حاجتها 

ورحم الله كل من فقدته وأصبح وجع الفقد هو المتعايش معها مع كل موقف خذلان وكل هم تواجهه لوحدها وكل خوف من كل من حولها 

وصبراً لكل قلب انثى احتاجت ان تنادي (أبي) فأجاب صوت الفقد انه قد رحل ولَم يعد لها غير بعض الذكريات التي أشعرتها يوماً ما ، انها كانت محط اهتمام رجل لن يكرر وهو الأب فقط .

بقلم : د. وفاء ابوهادي

رئيس مجلس الإدارة 


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com