يوم الوطن في وطن الأمة | د. أحمد التويجري
23 سبتمبر 2020
0
75438

مفهوم الوطنية مفهومٌ سامٍ ونبيلٌ أصَّله الإسلام وأكده قبل سواه من الملل والأعراف والتقاليد، وهو وإن لم يتبلور في صيغته الحديثة إلا بعد نشوء ما عرف بالدولة القومية ، إلا أنه من حيث المضمون كان موجوداً ومؤصلاً في الحياة الإسلامية بفضل الشرع ومبادئه. وعلى الرغم من عدم وجود تعريف جامع للوطنيه متفق عليه، فإن جوهرها محل اتفاق بين العقلاء والمنصفين، وهو حب الوطن والغيرة عليه والدفاع عنه بالحق. والمتأمل في مباديء الإسلام وتعاليمه وفي سيرة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام يرى بجلاء ووضوح لا لبس فيهما أن الوطنية بمفهومها الصحيح منبثقة من قيم الإسلام وأن أي تعارض مُتوهّمٍ بينها وبين الإسلام إنما هو ناتج عن قصور وربما تشوه في فهم الوطنية أو جهل بحقيقة الإسلام في هذا الشأن.
لقد جعل الله عزّ وجلّ في الشريعة الغراء للأهل والجيران والأماكن والبلدان حقوقاً وواجبات كثيرة، ليس هذا مقام بسطها ، كما إنه عزّ وجلّ فطر الناس على الانجذابِ إلى الأقربين َوالتعلقِ بالمّواطنِ والأماكن التي ينتمون إليها ، وما أجمل تعليق الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله في شرحه للحديث الذي رواه الإمام البخاري الذي نصه: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته (أي حملها على السير السريع) وإن كانت دابة حرّكها” حين قال (أي ابن حجر): ” وفي الحديث دِلالةٌ على فضل المدينة وعلى مشروعية حبِّ الوطن والحنين إليه”. وقد وافقه على هذا القول كل من الإمام بدر الدين العينيُّ في “عمدة القارئ”، والشيخ عبدالرحمن المباركفوري في “تحفة الأحوذيّ”، رحم الله الجميع رحمة واسعة، ورضي الله عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الذي قال في إحدى الروايات عنه: “عَمّر اللهُ البلدان بحبِّ الأوطانِ”.
إن من نعم اللله الكبرى علينا في المملكة العربية السعودية أننا في وطن لا يحبه ويغار عليه مواطنوه فقط وإنما تحبه وتغار عليه أمة بأكملها، ففيه قبلتها ومثوى نبيها عليه أفضل الصلاة والسلام ، وهو موئل الإسلام وحصن المسلمين إلى أن تقوم الساعة بإذن الله، ولذلك فإن اليوم الوطني في المملكة العربية السعودية في حقيقة الأمر ليس يوماً للمملكة وحدها وإنما هو يوم للأمة كلها، وإن هذه الحقيقة كفيلة وحدها بجعلنا نستشعر عظم حق هذا الوطن الغالي وواجباتنا جميعاً تجاهه.
إنه رمزٌ لوَحدتنا بعد تشتت وتناحر، ورمز لأمننا واستقرارنا بعد خوف واضطرابٍ طال أمدهما، وفجرٌ لرَغدٍ من العيش عشناه ولا نزال نعيشه بعد شظفٍ وجوعٍ عانى منهما آباؤنا وأجدادنا حقباً من الزمن. وهو يوم أمّن الله فيه حجاج بيته وزوّار مسجد رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام بعد أن كان القادم إليهما مفقوداً والعائد منهما مولودا، وهو يوم تحققت فيه، كما قال الكاتب المصري الراحل محمد حسنين هيكل، “نواةُ أولِ وحدةٍ عربيةٍ حقيقية في التاريخ الحديث”.
إنه يومٌ عاد فيه إلى معظم الجزيرة العربية نقاء العقيدة، وانتشر ضياء التديّن وعمّت مظاهره، وبدأت مسيرة التعليم العام وتكاثرت صروحه ومنابره، وهو يوم بدأ فيه تأسيس دولة حديثة تأسست على كتاب الله وسنة رسوله.
فحق لنا جميعاً أن نحتفل بذكرى هذا اليوم ، وأن نعبر عن ابتهاجنا بكل السبل والوسائل المشروعة، وإن ما أرجوه هو ألا نكتفي بمظاهر الابتهاج والتعابير اللفظية فحسب، وإنما أن نجعل هذه المناسبة الجليلة فرصةً لعقد العزائم على الحفاظ على هذا الكيان العزيز، وبذل الغالي والنفيس للدفاع عنه وحمايته، والعمل الجاد المخلص على تنميته وتطويره وازدهاره، من خلال توطيد أواصر الأخوة والوحدة بيننا، ونشر قيم التسامح والعفو والتصالح، ونبذ الفرقة وكل ما يؤدي إليها ، والعملِ الدؤوب، كل في مجاله، لجعل وطننا القدوة والأنموذج الأمثل في جميع المجالات، ليس لأمتنا فحسب وإنما للبشرية كلها، وما ذلك على الله بعزيز.
د. أحمد بن عثمان التويجري


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com