منذ سنين وقضية توظيف (الشاب السعودي) تؤرق المجتمع والدولة معا، وظهرت مصطلحات (البطالة) و(السعودة) و(توليد الوظائف) والكثير من المصطلحات التي تحاول أن تجد حلا، وكذلك منظومات وزارة العمل مثل (جدارة) و(هدف) وأخواتهما.
واستمر المشهد يكتظ بالمشاكل والتعقيدات، ونحن حاليا نعيش أزمة حقيقية يشعر بها كل الناس إلا الجامعات التي تقبل وتخرج مئات الألوف سنويا وتزيد على ذلك بافتتاح الفروع تباعا في المحافظات والمراكز وكأن الأمر لا يعني لها شيئا.
تستهدف سياسة التعليم خفض أعداد المعلمين والمعلمات إلى النصف من خلال سياسات أعلنتها الرؤية، وبدأ التطبيق في الرقم المتواضع في إعلان الوظائف التعليمية، ولا يزال القبول في الأقسام الإنسانية والعلمية المتصلة بالتعليم غالبا على حاله، فأين سيذهب الخريجون ما دامت فرص قبولهم بطموحاتهم الحالية محدودة جدا؟
كنت أتمنى أن نسمع هذا العام إعلانات قوية تجذب الشباب إلى الكليات التقنية والمعاهد الفنية المدنية والعسكرية، بحوافز تنزع من طموح الجامعيين جذوة الطموح إلى (الوظائف التعليمية)، لكن هذا لم يحدث، وتراكم الخريجين سيزيد الضغط على (مؤشر البطالة) الذي لا يتحمل ضغطا أكثر.
لماذا لا يكون طالب الكلية التقنية مكافئا للطالب الجامعي في الدرجة العلمية، وزائدا عليه في الحوافز المالية، وزيادة ثقافة الشباب بالمجالات التي تؤهلهم دراساتهم الفنية للالتحاق بها مستقبلا؟ حتى تستقطب الكليات التقنية أعدادا كبيرة من الشباب الطموح؟ فنحن في أمس الحاجة إلى كوادر فنية مؤهلة تغنينا عن شاغلي الوظائف الفنية من الخارج، فالأمر لا يحتاج إلى اعتمادات مالية ضخمة، بالقدر الذي يحتاج إلى تخطيط سليم، وحملات إعلامية واضحة ومكثفة عن أهمية العمل التقني والفني.
في هذه المرحلة لسنا بحاجة إلى كثافة في أعداد خريجي أقسام العلوم الإنسانية، حتى نشاهد شبابا يائسين يجولون في الشوارع، ويبكون ليل نهار في وسائل التواصل الاجتماعي، وأقصى ابتكاراتهم (بيع الخضار أو شاي الجمر في الشوارع)، التي صارت لازمة لجل الخريجين، بعد أن فحمت خيول طموحاتهم وابتكاراتهم وركنت إلى هذه المهن التافهة، وصارت ثقافة اجتماعية يدافع عن حقوق الشباب فيها الفنانون والإعلاميون، فيطالبون البلديات بتركهم يزاولونها دون تضييق ولا رقابة، ولا يلتفتون إلى تحذيرات هيئة الغذاء والدواء، فكانت دعواتهم مخدرة للشباب في شق طرقهم في المهن الحقيقية والأعمال الحرة الدائمة والمحترمة.
معظم المولات ومراكز التسوق الكبيرة والمحلات الصغيرة يشغلها وافدون، ولو تجولت في (المنطقة الصناعية) لأي مدينة ستجد اليد السعودية معدومة تماما، فربما لا يرى ابن صاحب الورشة (السعودي) حامل الشهادة الجامعية ضيرا في بيع (الخضار أو الشاي على الجمر) بل يراه أفضل من العمل في ورشة والده أو محله التجاري أو مطعمه.
إني من المستبشرين والسعداء برؤية 2030 لكني أيضا من الطامحين إلى وجود حلول تحولية سريعة تقضي على (تراكمية المشاكل) لا تزيدها تعقيدا خصوصا في إعداد الكوادر الإنسانية وتهيئة الجيل لحمل راية الرؤية وتحويلها إلى الجانب (التقني والفني) الذي تأخرنا عنه كثيرا كثيرا، وأهيب بوزارة التعليم والهيئة العامة للتدريب التقني والمهني ووزارة الخدمة المدنية وغيرها من الجهات ذات العلاقة إلى سرعة تأسيس القنوات الحقيقية التي تجتذب الشباب إلى تلك القنوات، لو بلغت حتى تحويل فروع الجامعات في المحافظات والمراكز أو أقسام منها إلى خدمة هذا التوجه، وتحفيز رجال الأعمال على إنشاء المؤسسات الصناعية في تلك المناطق .
الكاتب أحمد الهلالي
This site is protected by wp-copyrightpro.com