تجديد الخطاب الديني بتطوير منهجية إعداد أعضاء هيئة تدريس علم الإسلام | اللواء د. شوقي صلاح
18 فبراير 2018
0
90684

 سلسلة مقالات لمواجهة الفكر المتطرف

    في نطاق اهتمام المملكة العربية السعودية بمكافحة الإرهاب أكد سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على أهمية مواجهة التطرف الديني؛ حيث أشار خلال جلسة نقاشية على هامش مبادرة مستقبل الاستثمار التي انطلقت بالرياض في أكتوبر الماضي إلى أنه “… وبصراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم، لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونساهم في تنمية وطننا والعالم… واتخذنا خطوات واضحة في الفترة الماضية لمواجهة التطرف، وسوف نقضي على بقاياه في القريب العاجل، ولا أعتقد أن هذا يشكل تحدٍ، فنحن نمثل القيم السمحة والمعتدلة والصحيحة، والحق معنا في كل ما نواجه… “.

     هذا الاتجاه الإسلامي الصحيح الذي تعلن عنه القيادة الحكيمة بالمملكة.. بينما ينبش المتطرفون في كتب تراثية تحمل أفكاراً تكفيرية وينتقون منها ما يعزز فكرهم المتشدد.. ويوجهون مفهومهم المغلوط للجهاد في الإسلام ـــ الذي شُرِع أصلاً لرد العدوان ـــ لمسار لا يتفق وصحيح الشرع فيتبنون هذه الأفكار ويُـقنعون بها أتباعهم من محدودي الثقافة والفكر..؛ والمعضلة تتمحور في اعتقادهم أنهم على صواب ويكفرون من يختلف معهم ويستحلون دمه وماله وعرضه.

   

      ولتصويب معتقداتهم هذه فإن الأمر يتطلب منهجية علمية شاملة لتلك المواجهة، سنخص بالذكر في هذا المقال محوراً من أهم محاورها؛ ألا وهو المتعلق بإعداد أعضاء هيئات التدريس المنوط بهم تدريس علوم الإسلام. ولعل تركيز الاهتمام بهذه الفئة لما لها من مهام مؤثرة في فهم علوم الإسلام، فهم من يعدون الدعاة في الكليات التي تدرس تلك العلوم؛ ومنوط بهم تطوير علوم الإسلام وفقاً لمتطلبات العصر، كما أنهم يظهرون على كافة المنابر الإعلامية ويقدمون علمهم للكافة، هذا بجانب قيادتهم للمؤسسات الدينية؛ وهم أيضاً من يصنعون التراث بمؤلفاتهم.. التي سيأتي عليها يوماً وتصبح تراثاً لأجيال قادمة.

     وبداية نؤكد على أن تطوير الخطاب الديني يجب ألا يتم بشكل ثوري.. حتى لا تظهر ثورة مضادة تجاه جهود الإصلاح؛ فالأصوب هو تصحيح هذا الخطاب بشكل تدريجي قوي؛ منتظم؛ ومستمر، ولعل أهم مسارات هذا التطوير :

أولاً : تطوير الخطاب الديني في المدارس.

ثانياً : تطوير الخطاب الديني في الإعلام.

ثالثاً : تطوير الخطاب الديني في مجال الدعوة.

رابعاً: تطوير الخطاب الديني بالنسبة للمؤلفات والأنشطة الفنية؛ والفضاء الإلكتروني.

خامساً : تطوير الخطاب الديني في الكليات التي تدرس علوم الإسلام.

وسنركز هنا على البند الأخير المعني بتطوير الخطاب الديني بالكليات التي تُدَرِس علوم الإسلام، لتطوير فكر أعضاء هيئات التدريس بها؛ حيث يرتكز هذا التطوير على سند من قول المولى عز وجل « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ »  13 الحجرات. وأهم ملامح خطة التطوير إنما تتمحور حول استحداث منظومة جديدة للدراسات العليا؛ لعل أهم ملامحها تتمثل في المراحل الآتية :

* بعد تعيين المعيد عضو هيئة التدريس بالكلية؛ يتفرغ لمدة سنة أو سنتين ـــ حسب مستواه اللغوي ـــ لدراسة لغة أجنبية يختارها بنفسه.

* خلال السنة الثالثة يلتحق بأحد دبلومات الدراسات الإسلامية.

* يقدم الباحث مشروعاً مبدئياً للتسجيل للدكتوراه.

* يتم إيفاد الباحث لدولة أجنبية تتناسب مع اللغة التي يجيدها للحصول على دبلوم في أحد العلوم الإنسانية المرتبطة بموضوع رسالته : فلسفة، منطق، حقوق إنسان، المواريث والوصايا، أحكام الزواج، التاريخ… . 

* يعود الباحث لوطنه لتعديل خطة بحثه المبدئية والتسجيل للحصول على درجة الدكتوراه من خلال دراسة علمية مقارنة.

ولعل سبيلنا لتجديد الخطاب الديني باستهداف النخبة التي تقوم بتدريس ونشر علم الإسلام إنما يرتكز على سياسة انفتاحيه على العلوم والثقافات الأخرى، ليتحرروا من آفة ما يطلق عليه  ” استقطاب الجماعة ” وهو نمط معهود في الجماعات التي تتشاور فيما بينها بشكل انعزالي؛ فالدراسات العلمية أثبتت أن المتطرفين البيض المتعصبين عرقياً سيظهرون تعصباً أشد في ظل استمرار تشاورهم المنغلق مع بعضهم البعض.. فالانعزال الفكري يؤدي إلى الاستقطاب أي إلى التشدد أو الغلو، فالجماعات المنغلقة تربة خصبة للتطرف.. ونقصد بالانغلاق في هذا السياق الاقتصار في الدراسة على ما ورد فقط في كتب التراث الديني كمرجعية علمية.

   ولنختم مقالنا هذا بقول المولى عز وجل في كتابه الكريم “… لا تغلوا في دينكم…” 171 النساء؛ وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «… وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ».

    هذا وليكن موضوع مقالنا القادم ــ بإذن الله ــ حول : هل التطرف الديني الذي وصل لحد التكفير.. أسهمت فيه سياسات دولية جائرة ؟

بقلم : لواء دكتور شوقي صلاح

خبير مكافحة الإرهاب

عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة المصرية


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com