عقيدة الجهاد عند الانتحاريين التكفيريين | اللواء د. شوقي صلاح
26 يناير 2018
0
131175

  أصحاب الفكر المتطرف على شاكلة الداعشيين مِنهاجِهم يقوم على تكفير غيرهم، ويرتبون على هذا التكفير استحلال الدماء والأعراض والأموال، فيعتقدون أن مجتمعاتهم كافرة وقتالهم جهاد في سبيل الله، يأُملون به نيل الشهادة لدخول الجنة..! ولعل أبرز ما يمثل أصحاب هذا الفكر الظلامي ـــ وفقاً لما وقع في الآونة الأخيرة من جرائم تابعها العالم أجمع باهتمام بالغ ـــ هو الإرهابي المصري/ إبراهيم اسماعيل الذي قام بالاعتداء على كنيسة مارمينا بحلوان في 29 ديسمبر 2017 وأسفر هجومه عن قتل عشرة أشخاص، منهم أمين شرطة معين بخدمة تأمين الكنيسة والآخرين من المسيحيين.. وهذا التكفيري سبق اتهامه بارتكاب العديد من الجرائم الإرهابية، لعل أهمها اعتدائه وآخرين عام 2016 على ميكروباص به معاون مباحث قسم شرطة حلوان وعدد 7 من أفراد الشرطة السريين، استشهدوا جميعاً على أثر الهجوم المباغت على السيارة التي تقلهم، وذلك من قبل عناصر تكفيرية كان المذكور واحداً منهم.

الإرهابي/ إبراهيم إسماعيل يتجول أمام الكنيسة بعد الاعتداء، فلماذا لم يهرب ؟

    لاحظ كل من شاهد فيديو هجوم هذا الإرهابي على الكنيسة، أنه عقب الاعتداء لم يهرب وظل يسير أمام الكنيسة وفي محيطها بهدوء؛ بما يوحي أنه ربما تعاطى مخدراً يلتمس به تخفيف حدة توتره أثناء قيامه بالاعتداء، وأتوقع أن هذا الإرهابي المتهم لم يتعاط أي مخدر.. ويظل التساؤل قائماً : لماذا لم يهرب سريعاً عقب عدوانه لينجو بنفسه ويحرج أجهزة الأمن لعدم تمكنها من ضبطه أو القضاء عليه ؟

أرى أن التفسير الأقرب لسلوكه في هذه الحالة اعتقاده أنه حان الوقت لنيل الشهادة؛ فهو ربما يرى أن أفعاله التي ارتكبها بمثابة قتل للكفار، وأنه بهذا يجهاد في سبيل الله..! هذا تحليلي لسلوكه رغم أن هذا الإرهابي سبق وهرب فور ارتكابه لجرائمه السابقة؛ ولكنه في هذه الحالة ربما طغى عليه واستغرقه وَهم الاستشهاد.. .

    هذا ويتعجب بحق المسلم البسيط في كل أنحاء المعمورة لوقوع هؤلاء التكفيرين في هذا الفهم الخاطئ للدين؛ رغم أن المتأمل لسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، والعديد من آيات القرآن الكريم لا يجد أدنى صعوبة في تبين ضلال هذا الفكر؛ وأبسط ما يؤكد هذا الحجج الآتية :

* عندما  دخل رسولنا صلى الله صلى الله عليه وسلم مكه فاتحاً وتمكن من الكفار الموجودين بها، وكانوا لا يزالون يعبدون الأصنام، ومع هذا لم يفتك بهم وسألهم نبينا الكريم : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ فقالوا : أخ كريم وابن أخ كريم، فرد عليهم صلى الله عليه وسلم قائلاً ” أقول كما قال أخي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطلقاء “، فلم يقتل أو يبطش بهم؛ وهم من ينطبق عليهم بحق ودون أدنى شك وصف الكفر، ولعل هذا تطبيق عملي لسلوكه صلى الله عليه وسلم مع من ناصبوه ألد أنواع العداء.. لذا فمن الواجب علينا الاقتضاء بسماحة قدوتنا إمام الأنبياء والمرسلين؛ الذي قال عنه المولى عز وجل   ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ” (107) الأنبياء.

* قول المولى عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ” إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ” (56) القصص.

* مؤكد أيضاً أن التكفيرين لم يفهموا قوله تعالى ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حتى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ” (99) يونس.

ووفقاً لفهمنا للآيات المشار إليها وغيرها، فإن وجود الكفر والإيمان هو من سنن الحياة كالخير والشر، وما على الرسل والأنبياء ومن سار على هديهم سوى الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة امتثالاً لقوله تعالى ” ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ” (125) النحل.   

 وتحرص التنظيمات الإرهابية حال تجنيدها للعناصر الإرهابية أن تتضمن برامج تدريبهم بجانب استخدام الأسلحة والمفرقعات وتأمين الاتصالات.. وغيرها، جانب آخر عَقًدي يؤكد ـــ خلافاً الحقيقة ـــ على شرعية أعمالهم الإرهابية، وذلك من خلال دورات متخصصة في مجال ” التأصيل  الشرعي ” ليستقر زوراً في وجدان المتدرب أن ما يرتكبه لا يدخل في نطاق الجرائم، بل هو جهاد في سبيل الله.. ! ولحضراتكم أن تتابعوا التسجيلات التي اعترف فيها عناصر من حركة حسم الإرهابية ـــ ممن تم ضبطهم بمحافظة الجيزة المصرية في ديسمبر 2017 ـــ بتلقيهم هذه التدريبات الشرعية، ويمكن للقارئ مشاهدتها من خلال موقع youtub”” على شبكة الإنترنت.

المتهم/ عمر أبو بكر طالب بكلية الصيدلة وله اعترافات مسجلة

(عنصر بحركة حسم الإرهابية تم ضبطه وخمسة آخرين في عملية أمنية استباقية)

 

والتساؤل الذي يُطرح على بساط البحث في هذا السياق هو : كيف استقر في يقين هؤلاء الشباب، وغالبيتهم من المتعلمين، هذا الفكر المتطرف والمنحرف ؟

سنحاول بإذن الله في المقال القادم طرح إجابة لهذا التساؤل.

 

بقلم : لواء دكتور شوقي صلاح

خبير مكافحة الإرهاب

عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة المصرية


قناة شبكة الاعلام السعودي

تابعنا على الفيس بوك

© 2016-2024 All Rights Reserved صحيفة شبكة الاعلام السعودي Design and hostinginc Digital Creativity

This site is protected by wp-copyrightpro.com